عفواً سيدتى .. لا أدرى منذ متى بدأ صمتى منذ متى أصابنى الخرَس ... ما أعرفه أننى من زمن بدأت فى ابتلاع كلماتى لتظل حبيسةَ قفصى الصدرى ورهن الاعتقال بين دفات دفاترى وتحت الاقامة الجبرية .. أمنة فى أدراجى ... كانت كلماتى يا سيدتى ممنوعة من استقبال الزوار .. من تلقى البريد أو ارساله ومحظور عليها لقاء المحامين أو اجراء اى مكالمات خارجية ... قهر أو ظلم أو ديكتاتورية ... سميه ما شئتى .. ان كان قهراً فهو قهر الأب لأبنائه خوفاً عليهم ... ان كان ظلماً فعن غير قصد فالوالد لا يمكن له أن يظلمَ من ولد ... وان كانت ديكتاتورية فكلماتى هن بناتى أخشى عليهن من الوحوش فى زمنٍ أصبحت فيه الاشياء مستباحة وأصبحنا نغتصب فى وضَح النهار ونباع بلا ثمن .. استشرى العهر يا سيدتى حتى صرنا بلا شرف ! سيدتى لا تظلمينى .. كنت أريد عرساً لبناتى وظللت سنيناً احلم بالزفة وبضرب النار .. أحلم بيا .. أنا الاب متأبطاً بناتى لأسلمهن للعرسان ولكِ
سيدتى .. سنوات مرت .. والبنات كبرن وأزددن عدداً .. أيضاً بنات فقلمى لا يلد الا الاناث .. وكلما زاد العدد زاد همى و حملى
سيدتى .. أن أوان الاستسلام و رفع الراية فأنا لا أستطيع الاستمرار فى دائرة الخرس .. كرهتُ المبيتَ فى أحضان الكتمان وسُكنى كهوف الصمت
جمعت بناتى لأبلغهن قرارى وأطلب منهن الصَفح .. قدمتُ لهن نصيحتى الأبوية الوحيدة .. أن حافظن على شرف الكلمة .. قبلتهُن .. فتحت أبوابَ الادراج .. دفات الدفاتر .. شققتُ قفصى الصَدرى .. أطلقتُ سراحَ الكلمات
فاضت دمعة .. سقط القلم .. وتسألت .. هل يا تُرى سيجدنَك يوماً سيدتى
قد يلتقينَك يوماً فاذا حدث .. كونى رحيمة ببناتك
انسى قسوتك قليلاً و أستحضرى حنان الأمومة
سيدتى ... يا سيدة الصمت
أحلامى التى ستكون .. أنتِ فيها
وبناتى اللواتى أطلقت سراحهن منذ قليل كانوا منكِ
سيدتى ... يا سيدة الصمت
كلماتى التى كتبت من زمن كانت لكِ
نمت فى رحم حبك ... ترعرت فى بلاط عشقك
وارجو ألا تموت تحت شمس لقائك