عيد سعيد
كل عام و أنتم بألف خير
أستيقظ كعادته كل صباح فى تمام السابعة ... وقبل ان ينسى ايضاً كما اعتاد كل صباح مد يده تلقائياً الى علبة دواء الضغط ( مرض ارتفاع ضغط الدم الذى اصيب به من حوالى العامين ) التقط حبة صفراء والقى بها فى فمه وأتبعها برشفة ماء .... قفز من سريره متثاقلاً وبدأ فى عزف سيمفونية تلقائية اعتاد عليها منذ أكثر من عشر سنوات ... وضع البراد على النار الهادئة فى المطبخ وتوجه لأخذ حمامه اليومى وما يتبعه من فرشاة الاسنان و حلاقة الذقن .... الخ ...أنتهى وخرج ليصب الشاى أحضر جريدته من الصندوق خارج شقته وبدأ فى تصفحها سريعاً مجرد قراءة للعناوين الرئيسية وهو يرتشف الشاى وقطعة البسكويت فقد تعود عدم الافطار كما تعود على اكمال قراءة الجريدة فى المساء حين يعود .... أنتهى وقام ليصلى ركعتى الصبح ( منذ سنوات وهو يحاول صلاة الفجر فى وقتها ولا يستطيع ) .... شرع فى ارتداء ملابسه ... ربطة العنق التى يكرهها كرهه للموت ... وقف امام المرأة يصفف شعره الذى كان فجاءة انتبه للشعيرات البيضاء تغزو رأسه دقق ثانية وجد أنها ايضا بدأت فى زيارة شاربه المنمق .... أصابه وجوم مفاجئ ... مشط شعره .... لملم أشياءه ... وخرج ... ركب سيارته الحديثة أدار المفتاح وبحركة لا ارادية كررالنظر فى مرأة السيارة ليتأكد من اكتشافه الاخير .... الأمر صحيح ... عاوده الوجوم . تحرك متوجهاً الى عمله كما أعتاد ايضاً ان يفعل كل صباح ... الأشارة حمراء و الانتظار ثقيل ألحت عليه فكرة غريبة و رغبة عارمة فى زيارة صديق ... بعد الاشارة توقف أمام محل صغير نزل وأشترى علبة سجائر و ولاعة ( رغم أنه أقلع عن التدخين من زمن طويل ) ركب سيارته ثانية و توجه صوب صديقه .... البحر . هو يعلم انه فى هذه الساعة المبكرة عادة ما يكون صديقه وحيداً مثله .... ركن السيارة و نزل أحس بسعادة شديدة لرؤيته ألقى عليه التحية وجلس ... أستأذنه فى اشعال سيجارة وبدأ ينفث دخانها ويفكر .... فكر أولاً فى تلك الشعيرات التى رأها منذ دقائق ثم عاد بذاكرته قليلاً للوراء عشر سنوات أو أكثر ... أرتعب من مجرد التفكير فى عدد الايام وكيف مرت تلك السنوات دون ان يشعر كيف لا يكون للوقت فى هذه البلاد معنىً أو قيمة .... أحس أنه سُرق لكن هل سُرق رغماً عنه أم بأرادته ... أحس بحنين جارف للوطن بدأ يفكر فى أشياء بسيطة و غريبة لم تكن تعنى له شيئاً فيما مضى بل ربما كان يتأفف منها و يلعنها ويتمنى أن يبتسم الحظ له يوماً ليتخلص منها .... أشعل سيجارة أخرى وأبتسم ... تذكر الصباح فى بلاده .. رائحة الشبورة .. الطين فى الشوارع بعد المطر .. بائعة الجرائد .. انتظار الميكروباص .. الصول صالح على باب الكلية وهو يحييه كل صباح ويلتقط منه السيجارة .. زملاء الدراسة .. الاصدقاء .. معرض الكتاب فى شهر يناير .. ضحكة صديقه يحيى الجوهرى الذى واراه التراب مبكراً .. و .. و .. و .. أخرج من جيبه ورقة صغيرة كان قد كتبها منذ أيام نظر فيها ملياً ..... بنك القاهرة مبلغ __ جنيه بنك الاسكندرية __ دولار بنك مصر ___ شهادات ادخار ضحك مجلجلاً بصوته حتى دمعت عيناه أمسك الورقة ... مزقها قطعاً صغيرة وألقى بها الى صديقه .. البحر .. وظل ينظر اليها وهى تطفو على وجهه حتى أختفت .. أستنشق جرعة من الهواء .. أكتشف أنها برائحة النفط تعجب كيف لم يشعر بذلك من قبل .. قام من جلسته تاركاً علبة السجائر و الولاعة .. ركب سيارته ادار مفتاح الكاسيت أتاه صوت فيروز .. سألتك حبيبى لوين رايحين .. دقائق قليلة و وصل الى مبنى ضخم ركن سيارته وسار بخطوات بطيئة .. بدأت نفس الوجوه التى أعتاد على رؤيتها كل يوم فى الظهور .. تجاوز حارس المبنى ولم يحييه .. هو ماله شارد كده ليه النهارده .. سمع الرجل يكلم نفسه .. وصل الى الدور الذى يوجد به مكتبه بدأت التحيات تنهال عليه بكل اللغات .. أشلونك بالخليجى .. صباحو بالسورى .. كيفك باللبنانى .. صباح الخير يا باشا بالمصرى .. جودمورننج سير .. ظل يبتسم للجميع دون أن يرد توقفت الكلمات فى حلقه وكأن شيئاً ألجم لسانه .. أدار مقبض الباب ألقى بجسده فوق كرسيه ضغط على زر جهاز الكمبيوتر ليفتحه .. وأثناء التحميل أسند مرفقيه على طرف المكتب .. رمى رأسه بين كفيه .. أغمض عينيه .. أظلمت الدنيا .... أصوات فى خلفية المشهد شخص ما ينادى .. أضاءة .. شخص أخر بصوت عالى ممسكاً خشبة يصيح .. كلاكيت 4025 مرة ( عدد أيام غربته ) .... شخص أخر بلغة أمرة يبدو انه مخرج أو ما شابه يصيح .... دور ___ الساقية